دراسة علمية تُشير إلى أن الأرض تواجه ثانى أكبر كارثة فى الإحترار المناخى طوال تاريخها

مقالة:- كريس مونى
ترجمة:- ممدوح شلبى
 
 


إذا تعمقت كثيراً فى تصفح أرشيف التغييرات المناخية، فسوف تسمع عن مصطلح "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، وعندئذ سترتعب.
حدثت هذه الفترة المناخية منذ 56 مليون عاماً، حيث حدث شيئ غامض – وتوجد تفسيرات شتى لما حدث – فثمة تكثيف لغاز ثانى أكسيد الكربون حدث فى الأتموسفير وكان عالياً جداً عما نشهده الآن.
دخل كوكب الأرض فى حالة إحترار سريعة، بالمصطلح الجيولوجى، وماتت بعض الكائنات البحرية من تأثير إرتفاع الدرجة الحمضية للمحيطات.
السبب فى هذه الذروة الحرارية لهذا العصر الجيولوجى كان محل نقاش علمى موسع، ويعتقد البعض أن تفاقم الكربون جاء من إنحلاله من ذوبان جليد القطب الشمالى، والبعض الآخر يعتقد أنه نتيجة لإنطلاق غاز الميثان من المحيطات ووصوله إلى الأتموسفير – وأن سلسلة من الأحداث ربما حدثت بسبب تفجرات بركانية مهولة.
وعلى أيه حال، فالنتيجة كانت عالم حار، حيث سجلت درجات الحرارة إرتفاعاً وصل إلى خمس درجات مئوية أعلى من معدلها، لكننا الآن، وكما يشير بحث علمى جديد، فإن تراجيديا الذروة الحرارية لهذا العصر الجيولوجى تنطبق على عصرنا الحالى، فنحن نُطلق الكربون فى الغلاف الجوى بمعدل أكبر مما حدث فى هذا العصر القديم.
هذه هى الخلاصة التى توصلت إليها دراسة جديدة منشورة فى مجلة "ناتشر جيوساينس" التى ترأس فريق الباحثين فيها، ريتشارد زيب من جامعة هاواى فى مانوا، وضمت عدداً من زملاءه من جامعة بريستول فى المملكة المتحدة وجامعة كاليفورنيا – ريفرسايد.
"إذا ألقيت نظرة على كل الأرشيف المناخى على مدى ال 66 مليون سنة الأخيرة، فالحدث الوحيد الذى نعرفه منها حتى الآن والذى تميز بإنطلاق كمية هائلة من الكربون، وحدث هذا فى فترة قصيرة من الوقت كان "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، هكذا قال زيب. "يجب علينا فعلاً أن نعود إلى مراحل زمنية ذات صلة، لأننا ولمدة طويلة لم نكن نعرف أى شيئ عما حدث بما يجعلنا قادرين على مقارنته بما يفعله الإنسان فى الوقت الحالى.
والسبب أن هذه الفترة شديدة الأهمية بالنسبة لنا ويجب دراستها – كما لو كانت نافذة تكشف عن عصرنا الحالى.
لا شك أن الكثير من الكربون – مثل الكريون الذى يحتويه الوقود الأحفورى والذى أحرقه الإنسان فعلاً أو الذى سيحرقه – هذا الكثير من الكربون إتخذ طريقه إلى الغلاف الجوى خلال "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، وكانت النتيجة حدوث إحترار هائل دام أكثر من 100 ألف سنة، لكن كيف حدثت الإنبعاثات فى هذا العصر فهذا أمر آخر.
"إذا لم تتوازن معدلات الإنبعاثات التى يتسبب عنها الإنسان فى التاريخ الحديث لكوكب الأرض، فثمة رد فعل سيحدث لاحقاً فيما يتعلق بمنظومة المناخ"، هكذا كتب المؤلف.
ولكى نحلل ما حدث فى "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين"، فإن العلماء إستخدموا رواسب منطقة عميقة فى المحيط بالقرب من ساحل نيو جيرسى، الهدف كان أن يحددوا الفرق بين المستويات الإشعاعية لنظائر مختلفة، أو تحديد تكوينات من العناصر المختلفة للكربون والأوكسجين فى هذه الرواسب أثناء "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين".
العلاقة بين الإثنين أتاحت للعلماء تحديد مستويات غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، مثلما هو منعكس فى إشعاع كربون 12 وكربون 13، متأثراً بدرجات الحرارة التى يمكن الإستدلال عليها إعتماداً على نظائر الأوكسجين فى المحيط.
" وبخصوص هذين النظامين، يُظهر لنا النظام الأول عندما دخل الكربون فى النظام والثانى يُخبرنا متى يكون الرد المناخى" هكذا قال زيب.
وإتضح أن هناك فارقاً زمنياً بين الإضافات الكبيرة للكربون فى الغلاف الجوى وما يتبعه من إرتفاع درجات الحرارة لأن المحيطات تتميز بأن لها قدرة كبيرة على الثبات الحرارى، وبناءاً عليه، فإن فارقاً كبيراً يمكن أن يشير إلى إنطلاق كمية أكبر من الكربون، فى حين أن نقص أحد العنصرين يعنى فى حقيقة الأمر أن ثانى أكسيد الكربون ينطلق بمعدل أقل كثيراً.
الدليل الجيولوجى من الموقع الجديد لم يكشف عن تأخير، كما يقول التقرير الجديد، وهذا يعنى أن كاتبى التقرير يقدرون أن الكمية الهائلة من الكربون التى دخلت الأتموسفير خلال "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين" – تتراوح بين 2000 إلى 4500 بليون طن – وظل هذا لمدة 4000 سنة، بينما بليون طن من الكربون فقط كانت تنبعث كل عام، وفى المقابل فإن الإنبعاثات الحالية تُقدر بنحو 10 بليون طن سنوياً – وهذا يؤدى إلى تغيير كوكب الأرض بوتيرة أسرع كثيراً.
الإنبعاثات التى يتسبب عنها الإنسان الآن تفوق إنبعاث الكربون خلال أكثر أحداث الإحترار التى شهدها الكوكب فى ال 66 مليون سنة الماضية بما لا يقل عن العشرة أضعاف" هكذا كتب بيتر ستاسين فى التعليق المٌرفق بالدراسة الجديدة، ووهذا العالم متخصص فى الأرض والبيئة فى كو ليفين فى بيلجيكا،
التماثل بين "الذروة الحرارية لعصر البالايوسين – إيكو سين" والزمن الحاضر، ليس تماثلاً تاماً وعصرنا يمكن أن يكون أسوأ من عدة وجوة.
"الإستنتاجان الرئيسيين هما أن حموضة المحيط ستكون أكثر حدة، والنظام الإيكولوجى ربما يُصاب بقوة بسبب معدل إنطلاق الكربون" هكذا قال زيب.
وليس الأمر مجرد أننا بدأنا نرى التغيرات التى نتجت عن الإحترار الحالى، بل لأن هناك تغيرات أخرى تتم لا يوجد لها أى شبه فى الماضى، بسبب المعدل الحالى فى التغير.
"نظراً إلى أن المعدل الحالى لإنبعاث الكربون غير مسبوق خلال السجل المناخى للأرض، فقد دخلنا فى مرحلة لا مثيل لها، والتى تُمثل تحدياً أساسياً فى مستقبل المناخ" هذا ما خلصت إليه الدراسة.
 
 
 


ليس القطب الجنوبى فقط – لماذا يُمكن أن تذوب جرين لاند أسرع مما نتوقع.

ترجمة:- ممدوح شلبى
الأربعاء الماضى ظهرت دراسة جديدة مثيرة فى "جورنال ناتشر" غيرت فهمنا للقوى المؤثرة فى ذوبان الجليد فى القطب الجنوبى والتوقعات المتزايدة الملحوظة فيما يتعلق بمستقبل الغطاء الجليدى وعلاقته بزيادة منسوب البحر، لكن الخبر لا ينتهى عند هذا الحد.
يقول بعض العلماء أن التنبؤات الحالية المتعلقة بجرين لاند – الأكثر حرارة حتى من القطب الجنوبى – يمكن أن تكون متحفظة جداً، بما يعنى أننا ربما نرى إرتفاعاً لمنسوب البحر بصورة أسرع مما نظن.
حتى الآن، فإن التنبؤات المقبولة بخصوص إرتفاع البحر فى المستقبل والتى قُدمت من خلال "لجنة الحكومة العالمية فى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة" والتى تعود إلى عام 2013، هذا التقرير يخلص إلى أن مساهمة ذوبان القطب الجنوبى فى إرتفاع منسوب ماء البحر بحلول نهاية هذا القرن سيكون فى معدل ما بين 4 إلى 5 سنتيمترات، بدون الأخذ فى الإعتبار التلاشى لقطاعات معينة من أغطية ثلجية بحرية أخرى – وفى هذه الحالة فإن إرتفاع منسوب البحر من المتوقع أن يكون أجزاءاً عشرية من المتر. 
وفى المقابل، فإن الدراسة الجديدة "لجورنال ناتشر" والتى أعتمدت على برامج حاسوبية متقدمة وفهم متطور للعمليات التى سببت إرتفاع منسوب ماء البحر فى أزمنة جيولوجية سابقة، خلصت إلى أن إرتفاع منسوب ماء البحر بسبب ذوبان القطب الجنوبى فقط يمكن أن يتجاوز المتر بحلول عام 2100 بسبب الإنبعاثات الغازية الكربونية.
والآن، وطبقاً لبعض العلماء، فإن توقعات "لجنة الحكومة العالمية فى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة"بالنسبة لجرين لاند – والتى يمكن أن تتسبب وحدها فى حالة ذوبانها إلى رفع منسوب ماء البحر 6 أمتار – من الممكن أن تكون مُتحفظة جداً أيضاً.
خلص تقرير الأمم المتحدة الذى كان فى عام 2013 إلى أن مساهمة ذوبان منطقة جرين لاند فى رفع منسوب ماء البحر سيكون فى حدود 12 سنتيميتر خلال نهاية القرن الحالى ( كمتوسط توقعات تتراوح بين 7 إلى 22 سم) بسبب الصناعة أو سيناريو الإنبعاثات الغازية المسببة للإحترار المناخى.
وطبقاً لأكثر السيناريوهات المعتدلة -عندما تتخذ الحكومات إجراءات مؤثرة للسيطرة على إنبعاث الكربون-  فأن أكثر التوقعات إعتدالاً تذهب إلى أن إرتفاع منسوب ماء البحر سيكون بين 4 إلى 13 سم.
وحالياً تُشير البيانات التى قدمتها ناسا أن جرين لاند تفقد حوالى 287 بليون طن مترى من الجليد كل عام – وهى كمية مهولة وقريبة من كمية 360 بليون التى تلزم لرفع منسوب ماء البحر ملليمتر سنوياً، ولكن ما هو أقل تأكيداً ومازال يحتاج إلى دراسات، هو كم معدل هذا الذوبان سوف يتزايد فى المستقبل بينما تتواصل التغيرات المناخية – وكم عدد العلماء سنحتاجهم لتحديد التوقعات فيما يتعلق بمستقبل فقدان الجليد فى هذه المنطقة.
لذلك نحن راجعنا الأمر مع عدد قليل من الخبراء لمعرفة ما يعتقده المجتمع العلمى عما إذا كانت تلك التوقعات ستظل ثابتة بدون تغيير.
وطبقاً للبعض منهم، فإن الأسباب المؤثرة فى ذوبان جليد القطب الجنوبى ربما لن تكون واضحة فى جرين لاند. فأحد أهم مظاهر القطب الجنوبى الواضحة – وخاصة الغطاء الجليدى فى غرب القطب الجنوبى المعروفة بأنها اكثر المناطق الغير ثابتة حتى الآن – أن الكثير من غطاءه الجليدى يقع تحت مستوى سطح البحر.
هذه "الجليد بلا يابسة" يمكن أن يكون غير مُستقراً أكثر من ذلك الذى يكون فوق منسوب البحر لعديد من الأسباب. التفاعل مع إحترار ماء المحيط يمكن أن يُسبب تزايد ذوبان الجليد ويمكن أيضاً أن يُقلقل الجليد من أسفل لأعلى جاعلاً إياه أكثر عُرضه للإنكسار إلى قطع أصغر أو التلاشى. وبينما الأنهار الجليدية تفقد الثلوج وتتراجع إلى مناطق أكثر عمقاً فى الماء، فإن ما تبقى من هذا الجليد يكون أكثر عُرضه للذوبات بوتيرة أسرع.
" نحن نعرف أن هذه الأشياء يمكن أن تكون غير مستقرة، لكن القضية هى كيف يمكن أن تتفتت بوتيرة مُتسارعة" هكذا قال مارتن تروفر عبر البريد الإلكترونى، وهو أستاذ فيزياء وخبير فى الجليد فى جامعة ألاسكا فيبربانكس، وفى بريد إلكترونى آخر من إيان جوخين الخبير فى الجليد فى جامعة واشنطن، قال "البحث الجديد المنشور فى "جورنال ناتشر" كان جيداً ومُصيباً عندما توقع أن تكون عملية الذوبان أسرع كثيراً وبشكل ملحوظ من التقديرات السابقة، ومنطقة جرين لاند ليست غطاءاً جليدياً بحرياً ( معظم جرين لاند تقع فوق مستوى البحر) ولذلك فهى لا تخضع لنفس الحالة من عدم الإستقرار"
وأعاد تأكيده على حقيقة أنه وبينما يتراجع الأنهار الجليدية فى المياه العميقة، فإنها تميل إلى التدفق بصورة أسرع، ما يعنى أن ذوبان جليدها سيكون أسرع.
الفهم الأفضل لهذا السلوك فى الانهار الجليدية ينعكس فى البحث العلمى الجديد المنشور فى "جورنال ناتشر" الذى يتناول تحديثاً فى التنبؤات بخصوص أسباب زيادة مستوى ماء البحر، لكن ولأن الكثير من الغطاء الجليدى لمنطقة جرين لاند تقع فوق مستوى ماء البحر، فهذا العنصر ربما لا يكون شديد الأهمية هناك، ولذلك فثمة عدم يقين حول جرين لاند – رغم " إمكانية حدوث مفاجآت" كما قال جوخن.
ولكن هناك مخاوف من أن بعض مناطق جرين لاند تتعرض لعمليات مُشابهة لتلك التى تؤثر فى ذوبان جليد القطب الجنوبى، هكذا قال إيريك رينوت، وهو من كبار علماء مختبر الدفع النفاث فى وكالة ناسا وأستاذ فى علم الجليد فى جامعة كاليفورنيا إيرفين.
ورغم أن الكثير من الغطاء الجليدى يقع فوق مستوى سطح البحر، فهناك بعض الأنهار الجليدية والتى تكون بمثابة مسارات تتدفق من الغطاء الجليدى الذى ينتشر فى مساحة واسعة ومعظمه فى اليابسة، وهذه المنطقة تفقد حالياً كميات هائلة من الجليد الذى يذوب فى ماء المحيط وربما يتواصل هذا الذوبان على هذا النحو بمعدلات أسرع.
"الأمر إمتداد طبيعي للدراسة المؤخرة الخاصة بالقطب الجنوبى حتى نفهم كيف أن تسارع إنكسار الجبال الجليدية يمكن أن يؤثر على توازن كتلة جليد جرين لاند" هكذا قال إيريك رينوت عبر البريد الإلكترونى.
" نحن نعرف أنه فى حالة منطقة "جاكوبشافن إيسبراى" فهى فى الواقع خاضعة لآلية خاصة فى مسالة تراجع الجليد. ولهذا فالأمر مُتشابه تماماً والدراسة الجديدة تجعلنا نتناول منطقة ذوبان منطقة جرين لاند بمزيد من الجدية"
جليد "جاكوبشافن" يرتكز على عمق كيلو متر تحت سطح البحر، وهى جزء واحد من اجزاء جرين لاند التى تسترعى إهتمام العلماء، كما انه من المعتقد أنها أسرع الكتل الثلجية التى تتدفق منها الأنهار الجليدية، البحث السابق أشارإلى أن "جاكوبشافن" يفقد نحو 35 بليون طن مترى من الثلج سنوياً، علماً بأن "جاكوبشافن" هى مجرد جزء واحد فقط من 200 نهر جليدى تتدفق من كتلة جرين لاند، ومعظم هذه الأجزاء التى تذوب فى المحيط غير معروفة حتى الآن.
وكما فى بقية الغطاء الجليدى، يقول علماء آخرون أنه حتى المناطق الموجودة فوق مستوى البحر فإنها تخضع لمؤثرات مختلفة ولها نفس القدر من الأهمية، إنهم يقولون أن هناك عمليات أخرى تؤثر على الجليد فى جرين لاند غير تلك العوامل الموجودة فى القطب الجنوبى، فهذا يحدث فى مساحات هائلة لأن جرين لاند تشهد درجات حرارة أعلى- وهذه العوامل ستُساهم بشكل ملحوظ فى الإسراع بالذوبان للغطاء الجليدى لجرين لاند فى المستقبل القريب. 
وأوضح الباحث ماركو تيدوسو – من مرصد لامونت دورتى للأرض بجامعة كولومبيا -، أن عملية تُسمى "إسوداد الجليد" تُعتبر واحدة من العمليات الهامة فى جرين لاند، تيدوسو كان الباحث الذى ترأس دراسة حديثة تركزت على هذا المؤثر فى شمال جرين لاند.
الفكرة هى أنه وبينما يحتر المناخ ويتواصل الجليد فى الذوبان، فإنه يبدأ فى فقد قدرته على عكس الإشعاع الشمسى بعيداً عن السطح، والإنعكاس الشمسى الذى لا ينعكس يتم إمتصاصه بدلاً من ذلك مُسبباً إحتراراً للغطاء الجليدى وذوبانه بصورة أسرع – فى عملية مُفرغة.
الذوبان الأكثر يخلق إسوداداً أكثر وتسارعاً أكثر فى عملية الذوبان نفسها" هكذا قال تيديسو. كما أشار أيضاً أن بعض أجزاء جرين لاند حيث يعاد إمتصاص الماء الذائب بنسبة قليلة فى الغطاء الجليدى أكثر مما كان يحدث فى الماضى.
الدراسة التى نُشرت فى يناير فى "جورنال ناتشر كلايمت تشانج" يتصدرها هذا الموضوع، وتركز على قطاع من الغطاء الجليدى معروف تحت إسم "فيرن" – وهو عبارة عن طبقة مسامية من الثلج قادرة على محاصرة المياه الذائبة عندما تتدفق على السطح وتساعده على التجمد.
المشكلة هى انه وبينما إحترار جرين لاند يؤدى إلى ذوبان جليد أكثر بسرعة، فهذه المساحات المسامية تبدأ فى الإمتلاء بماء مُتجمد، ما يعنى أن هناك حيزاً قليلاً للماء المُذاب ليثبت فيه، ولذلك فالمياه الذائبة الزائدة ليس لها مكان تذهب إليه إلا الجريان على أسطح الجليد فى إتجاه المحيط، حيث تُصبح أيضاً عاملاً آخر مساهم فى زيادة منسوب البحر.
فى رسالة إليكترونية إلى صحيفة واشنطون بوست، أكد جاسون بوكس من الهيئة الجيولوجية فى الدنمارك وجرين لاند، أن العديد من هذه العمليات المستمرة فى جرين لاند لم تكن موجودة فى النماذج السابقة – مايعنى أن التنبؤات السابقة متواضعة جداً.
وأشار إلى أن "العديد من الأمور ذات الحساسية لم يتم تضمينها فى النماذج السابقة التى تتنبأ بإرتفاع منسوب ماء البحر من ذوبان جليد اليابسة"، وأضاف "بعض هذه الأمور الحساسة هى ردود الفعل بمعنى أن المناخ الأكثر حرارة الذى يحدث، فيجعل الجليد سيزول بوتيرة أسرع بكثير".
والمشكلة التى تظل قائمة هى الكمية الهائلة التى نتوقع أن يُساهم بها ذوبان جليد جرين لاند – ولازال هذا السؤال بلا إجابة.
لكن العلماء يبدون كما لو أنهم متفقين على أن كل من المحيط الجنوبى وجرين لاند يحتويان على مفاجآت مازلت فى علم الغيب، وسوف يظل من الأفضل أن نفهم العمليات الفيزيائية التى تؤثر على الجليد.
" كل من القطب الجنوبى وجرين لاند هما العاملان الرئيسيان فى زيادة منسوب البحر" هكذا قال تيديسو، "وأن المساهمة من كل منهما لم يتم تقديرها فى التنبؤات البحثية السابقة.


نموذج حاسوبى للمناخ يتنبأ بذوبان متسارع للكتلة الجليدية فى غرب القطب الجنوبى

ترجمة: ممدوح شلبى
على مدى نصف قرن، وعلماء المناخ ينظرون إلى المنطقة الثلجية فى غرب القطب الجنوبى كسيف مُسلط على الحضارة الإنسانية.
هذه المنطقة الثلجية التى تتعدى مساحة دولة المكسيك، من المُعتقد انها تتلاشى بصورة بطيئة بسبب الإحترار المناخى العالمى، وفى حال ذوبانها فإن منسوب البحار سيرتفع 12 قدماً أو أكثر، لكن تقديرات الباحثين السابقة أفادت بأن ذوبان هذه المنطقة سيستغرق مئات او آلاف السنين.
لكن آخر الأبحاث تُشير إلى أن السيناريو الكارثى قد يحدث بوتيرة أسرع من ذلك بكثير.
فإستمرار إنبعاث الغازات التى تجعل كوكب الأرض مثل صوبة تحتبس الحرارة، سيسرع من تلاشى المنطقة الثلجية فى غضون عشرات السنين فقط، وطبقاً لدراسة نُشرت الأربعاء الماضى، فإن مياة المحيطات سترتفع ثلاثة أقدام فى نهاية هذا القرن.
ومع إضافة الذوبان الذى سيشمل مناطق ثلجية أخرى أيضاً، فإن إجمالى الزيادة فى منسوب المحيطات – طبقاً للباحثين - سيكون بين 5 إلى 6 أقدام فى عام 2100، هذه الزيادة ضعف ما قدرته دراسة سابقة لهيئة تعمل لحساب الأمم المتحدة ونُشرت منذ ثلاثة سنوات، وبناءاً عليه فسوف تُثار أزمة حادة سيشهدها الأطفال الذين يولدون الآن.
وقد يسوء الوضع أكثر بعد عام 2100- طبقاً للباحثين- حيث سترتفع مياه المحيطات بحلول منتصف القرن القادم  بمعدل قدم كل عقد.
سجل العلماء هذا المعدل فى زيادة منسوب المحيطات فى عصور جيولوجية قديمة عندما تلاشت مناطق ثلجية أكبر، لكن معظم العلماء يعتقدون أنه من المستحيل أن تصل مياه المحيطات إلى هذا المستوى من الإرتفاع نظراً لأن المناطق الثلجية الحالية أصغر.
"نحن لا نقول أن هذا سيحدث بصورة مؤكدة" هكذا قال ديفيد بولارد، وهو باحث فى جامعة بنسلفانيا ستات، وكاتب مُشارك للبحث الجديد. "لكننى أعتقد أننا نُشير إلى وجود خطر وأنه قد يُثير الكثير من الإهتمام".
أكبر الآثار التى ستترتب على ذلك، هو غرق السواحل فى الكرة الأرضية بما فى ذلك العديد من أهم المدن العالمية.
مدينة نيويورك والتى يبلغ عمرها نحو 400 سنة: وطبقاً لأسوأ السيناريوهات التى يتوقعها البحث، فإن فرصتها للإستمرار 400 سنة أخرى بنفس حالتها الحالية سيبدو من المستحيل، وكذلك ميامى ونيو أورلينز ولندن وفينيسيا وشنغهاى وهونج كونج وسيدنى، فكل هذه المدن مُهددة مثل نيويورك أو أسوأ.
وبالطبع، من الممكن حماية السواحل ببناء دفاعات ضد إرتفاع مياه المحيطات أمام المدن المُنخفضة، لكن الخبراء يعتقدون أنه سيكون من المستحيل بناء هذه الدفاعات على طول 95000 ميلاً فى السواحل الأمريكية، وهذا يعنى أن غالبية المناطق سوف تُترك لمنسوب المياه المتزايدة.
الدراسة الجديدة والتى نُشرت فى "جونال ناتشر" تعتمد على تطوير نموذج حاسوبى للقارة الجنوبية وطبوغرافيتها المُركبة من الصخور والجليد، بهدف الإحاطة بالعوامل المعروفة مؤخراً كمخاطر تتهدد إستقرار الكتلة الثلجية.
النسخة الجديدة من النموذج الحاسوبى تسمح للعلماء – ولأول مرة – أن يعيدوا خلق مستويات عالية من ماء المحيطات حدثت فى الماضى، مثل الفترة المناخية التى شهدتها الكرة الأرضية منذ 125000 عام عندما أرتفع مستوى المحيطات إلى ما بين 20 و 30 قدماً أعلى من المنسوب الحالى.
وهذا منح العلماء ثقة أكبر فى قدرة النموذج الحاسوبى على تحديد مستوى الإرتفاع فى المستقبل، على الرغم من أنهم يقرون بأنهم لم تتوفر لهم إجابة حتى الآن من النموذج الحاسوبى يمكن تسميتها إجابة قاطعة.
"يمكنك أن تفكر فى كل أنواع الأساليب التى يمكننا أن نعملها مع هذا النموذج"، هكذا قال ريتشارد .بى. ألى – وهو خبير كبير فى الجليد القطبى فى جامعة بينسلفانيا ستيت، "أنا أأمل حدوث هذا، ولكن وإعتماداً على ما توصلنا إليه حتى الآن، فأنا لا أعتقد أننا يمكننا أن نُخبر الناس أننا واثقين كل الثقة"
الدكتور ألى ليس أحد كتاب البحث الجديد، رغم أن هذا البحث يعتمد جزئياً على أفكاره بخصوص الحالة المُستقرة للجليد القطبى.
عدد كبير آخر من العلماء الذين لم يشاركوا فى هذا البحث وصفوه بأنه هام، وبعض منهم وصفوه بحجر الزاوية.
لكن نفس هؤلاء العلماء أكدوا على أن البحث مجرد ورقه واحدة، وليس من المُستحب أن يكون هذا البحث هو الكلمة الأخيرة فى مصير غرب القطب الجنوبى لكوكب الأرض.
الجهود لتضمين العوامل المُستجدة التى تُسبب ذوبان الجليد مازالت فى مراحلها الأولى، فالأمر يحتاج سنوات من العمل لتحسين النموذج الحاسوبى.
بيتر . يو. كلارك - من جامعة أوريجون ستات – وفى آخر مجهوداته - ساعد بترأسه لفريق عمل يتبع الأمم المتحدة فى تقدير المخاطر من إرتفاع منسوب مياه المحيطات، إنه أيضاً لم يُشارك فى البحث الجديد، وقد أكد أن هذا البحث - مثله مثل الأبحاث السابقة – يؤكد على الضرورة المُلحة للسيطرة على إنبعاثات ثانى أكسيد الكربون والغازات الأخرى المُسببة للإحتباس الحرارى.
الفريق العلمى الذى قاده هذا العالم هو الذى قام بتقدير الحد الاعلى لزيادة منسوب المحيطات بنجو 3 أقدام فى القرن الحالى، ونبه بشكل خاص إلى أن الفهم الأفضل لتناقص جليد القطب الجنوبى يمكن ان يغير من هذه التقديرات.
البحث الجديد كتبه عالمان كانا فى طليعة الباحثين فى نماذج المناطق الجليدية لسنوات، إنهما روبرت . إم . ديكونتو – من جامعة ماساتشوتس أمهرست – والثانى هو الدكتور بولارد – الذى كان زميلاً للدكتور ألى فى جامعة بينسلفانيا ستات.
فى حوار مطول أجرى يوم الإثنين الماضى مع الدكتور ديكونتو، تحدث عن سنوات الإحباط، وأن البرنامج الحاسوبى الذى بناه بمشاركه زميله الدكتور بولارد، كشف لهما نجاحاً متزايداً فى قدرت هذا البرنامج على تفسير سلوك الكتل الجليدية، لكن هذا البرنامج صادفته الصعوبة فى تحليل الماضى الجيولوجى.
فإذا لم تكن درجات الحرارة فى الكرة الأرضية عالية إلى مستويات غير طبيعية، فإن النموذج الحاسوبى يتوجب عليه أن يُذيب ثلوجاً أكثر لإعادة إنتاج مستويات الماء المرتفعة التى من المعروف أنها حدثت فى فترات مناخية سابقة عندما كان الجو والمحيطات أكثر إحتراراً.
"نحن نعرف أن شيئاً ما مفقوداً فى معلوماتنا" هكذا قال دكتور ديكونتو.
الفكرة الجديدة جاءت من الدكتور ألى، الذى حث زملاءه أن يأخذوا بعين الإعتبار ما قد يحدث بوصفه هجوم مناخ إحترارى كبير على كُتل ثلجية طافية والتى كانت تساعد فى حماية ودعم الكتلة الجليدية لغرب القطب الجنوبى.
فثمة كُتل أصغر حجماً بدات بالفعل فى الذوبان، وشهد عام 2002 أكبر هذه الحالات، عندما أنقسمت كتلة ثلجية – إسمها لارسن بى - بحجم جزيرة رود فى غضون أسبوعين.
الكتلة الثلجية لغرب القطب الجنوبى تقع فى بركة عميقة تمتد تحت سطح البحر، وإذا فقدت دعائمها لحماية الثلج الطافى، فالنتيجة هى تشكيل كُتل منفردة كثيرة من الثلج تواجه البحر، هذه التشكيلات ستصبح أقل ثباتاً فى أماكنها، هكذا قال الدكتور ألى فى حوار معه، وأن إحترار طبقة الأتموسفير سيشجع على ذوبان أسطح هذه الكتل فى الصيف وهذا قد يُضعفها أكثر.
ونتيجة لذلك – طبقاً لرؤية دكتور ألى المتشائمة – قد يحدث تناقص متسارع حيث تختفى الكتل الثلجية فى المياه.
شيئ من هذا القبيل يبدو أنه حدث فى مناطق جليدية متعددة، بما فى ذلك منطقتين على الأقل فى جرين لاند، لكن الذوبان  حدث بمعدل أقل مما قد يحدث فى غرب القطب الجنوبى.
عندما قام الدكتور ديكونتو والدكتور ألى بتزويد البرنامج الحاسوبى بالتقديرات الخاصة بعدم ثبات الكتل الجليدية التى طورها الدكتور جى . إن . باسيس والدكتور سى . سى واكر، جاءت النتيجة صاعقة.
الخطوة التالية كانت أن يسألا البرنامج الحاسوبى عما يمكن ان يحدث إذا إستمر المجتمع الإنسانى فى التسبب فى إحترار الكوكب بإحراق كميات هائلة من الغازات المُسببة للإحترار المناخى فى طبقة الأتموسفير.
والإجابة التى حصل عليها العالمان مشروحة فى ورقتهما البحثية بلغة علمية بحتة، لكنها من الممكن أن تُرى بوصفها حبكة من حبكات أفلام الكوارث، فقد إكتشفوا أن غرب القطب الجنوبى سيبدأ فى الزوال بحلول عام 2050.
أجزاء ضعيفة من الكتلة الثلجية لشرق القطب الجنوبى والتى تتميز بانها الأكثر إرتفاعاً والأكثر برودة، قد تتكسر أيضاً، والنتيجة أنه بحلول عام 2500 سيرتفع منسوب المحيطات 43 قدماً بسبب ذوبان القطب الجنوبى فقط، بينما ثلوج ذائبة أكثر ستأتى من مناطق جليدية أخرى، وطبقاً لتقديرات البرنامج الحاسوبى، فإن الخط الساحلى فى بعض المناطق سيتراجع أميال فى اليابسة.
هذه الدراسة التى نُشرت يوم الأربعاء تحتوى على أخبار سارة، فالإجراءات الحاسمة لتقليل الإنبعاثات الغازية المُسببة للإحترار المناخى يمكن أن تمنح فرصة جيدة لحماية ثلوج غرب القطب الجنوبى من الإختفاء ، طبقاً لما إكتشفه العالمان.
وهذا يتعارض مع دراسات معاصرة أخرى تعتبر أن الذوبان التدريجى لثلوج غرب القطب الجنوبى أمر محتوم ولا يمكن إيقافه.
لكن الإتفاقية المناخية الأخيرة فى باريس لا تُخفض الإنبعاثات الغازية بكمية كافية لإنجاز هذا الهدف، هذه الإتفاقية سيوقعها قادة العالم فى شهر أبريل الحالى فى مبنى الامم المتحدة بنيويورك والذى يطل مباشرة على محيط منسوبه يتزايد.