عاصمة جديدة لمصر

يتزايد السكان فى مصر بمعدل 2.1 % سنويا , وهو من اعلى معدلات النمو السكانى فى العالم , فاذا اخذنا فى الاعتبار ان عدد سكان مصر طبفا للارقام الرسمية فى بداية عام 2010 هو 76 مليونا يعيشون داخل مصر , ونحو 6 مليون اخرون يعيشون فى البلدان الاخرى , باجمالى 82 مليونا , فان عدد السكان سوف يزيد فى مطلع عام 2011 بنحو 1.7 مليون نسمة , ان هذا الرقم حقيقى ولا توجد وصفة ناجعة للحد من هذه الزيادة السكانية , هذا العدد المتزايد سنويا يحتاج الى مساكن جديدة , قاذا حسبنا نسبة الزيادة فى عشر سنوات فانها تكون نحو 18 مليون نسمة .

اكرر , ان عدد سكان مصر سيزيد 18 مليونا فى العشر سنوات القادمة , هذا الامر ينبغى ان نضعه فى اعتبارنا عندما نفكر فى المشروعات الاسكانية , فقد جرى العرف ان تتوسع المحافظات سكانيا فى حدود الحيز المكانى للمحافظة , كما ان كل محافظة توزع مشروعاتها السكانية جغرافيا على مدن ومراكز وقرى هذه المحافظة .

هذا الاسلوب اثبت فشله فى استيعاب الزيادة السكانية , والافضل ان نستبدله بمشروع سكنى موحد يستهدف تسكين 18 مليونا من السكان فى عشر سنوات , فنكون عندئذ قد انشانا عاصمة جديدة لمصر , حيث تتوفر الفرصة للتخطيط لها جماليا ووظيفيا لمعالجة العيوب الموجودة فى القاهرة , واهمها صعوبة المواصلات , وتمايز المناطق بين احياء شديدة الثراء واخرى مهمشة الى حد البؤس مثل مدن الصفيح فى ضواحى القاهرة .

ان انشاء مدينة واحدة تحقق جملة مكاسب كما هو موضح فى النقاط التالية :-

1 - تخفيض كبير فى سعر الوحدة السكنية
ان الارض التى سيقع عليها الاختيار لانشاء مدينة الثمانية عشر مليون نسمة , هى ارض من املاك الدولة , وغالبا فان الساحل الشمالى الغربى لمصر يمثل افضل الخيارات , ولا ينبغى ان نتحير فى اختيار الارض فى هذه المنطقة فليس المفروض ان تكون المدينة مقامة على ساحل البحر مثل الاسكندرية , ولكن من الممكن انشاءها على مسافة 10 كيلو مترا من ساحل البحر المتوسط , لتفادى المضاربات التى تمت على اسعار الاراضى فى الساحل الشمالى , وكذلك التاكد على ان هذه الارض مملوكة للدولة كلية , حتى لو اضطررنا الى التراجع عدة كيلو مترات اخرى بعيدا عن البحر .
هذه الارض ستكون مجانية تماما بالنسبة للمشروع , وهذا سينعكس على اسعار الوحدات السكنية المقامة فى هذه المدينة , وهذا الامر على غاية من الاهمية , فقد ارتفعت اسعار اراضى البناء فى جميع انحاء مصر بصورة مبالغ فيها , حتى ان سعر الوحدة السكنية اصبح صعبا توفيره بالنسبة للغالبية العظمى من الشعب المصرى , ذلك ان سعر متر الارض المبانى قد يزيد عن خمسة آلاف جنية فى الريف , والنسبة اكبر من ذلك كثيرا فى المدن , وتصل الى ذروتها فى المناطق المتميزة .
لذلك فان سعر الوحدة السكنية فى مدينة الثمانية عشر مليون نسمة ستكون اقل بتحو 40 % عن سعر نفس الوحدة فى المحافظات , كما ان كل المدينة وبدون استثناء ستكون مخططة ومتداخلة فى انسجام حيث يعتبر كل حى بمثابة اغلى المناطق ومنطقة متميزة .

2 - خلق فرص عمل جديدة .

ان انشاء مدينة تتسع لثمانية عشر مليون نسمة , يخلق فرص عمل فى قطاع البناء والبنية الاساسية بصفة اساسية , وضمن كل الانشطة الاخرى بصفة عامة , تعادل نحو 20 % من جملة فرص العمل المتوفرة حاليا فى مصر , وهذا على درجة كبيرة من الاهمية , لانه يعنى اضافة فرص عمل حقيقية بنحو 2 % سنويا , وهو ما يعادل تقريبا نسبة الزيادة السكانية فى مصر , ولكن ينبغى التنويه الى ان فرص العمل التى يوفرها مشروع المدينة , هى فرص عمل حقيقية ومتميزة ونوعية , وان عائد الجهد المبذول فى كل فرصة عمل , سوف يُضاف الى مجموع الانجازات المتحققة فى مشروع واحد , بما يسمح لكل صاحب فرصة عمل ان يشعر بالرضا التام عن عمله , وهذا فى حد ذاته حافزا له لكى يجود من اداءه , ويرتفع به الى اعلى  مستوى .

3 - بناء مجتمع معاصر .

ان حلم الاجيال المصرية على الدوام سيكون ان تنهض مصر لتتخذ مكانها ومكانتها الحقيقية بين الامم , وهذا الحلم ممكن التحقيق من خلال برنامج تنموى ثقافى واجتماعى واقتصادى تفرضه حقيقة ان الشعب المصرى كله يشارك - اما بصورة مباشرة او غير مباشرة - فى انشاء هذا المشروع القومى , فيُعيد المصريين ذكريات تاريخية اختبروها فى مرحلة بناء الاهرامات , وحفر قناة السويس , وبناء السد العالى , وهى ذكريات حقيقية مطبوعة فى الشريط الوراثى للمصريين , وان مجرد الشروع فى بناء المدينة سيفتح الباب لهذه الروح العظيمة ان تتفجر من كل مكان ومن كل الاعمار وفى وقت واحد , ليسود عصر جديد تستعيد فيه مصر مكانتها ومكانها .

4 - حل جزئى لمشاكل عجز الموازنة العامة للدولة .

ان بناء مدينة لتتسع لثمانية عشر مليون نسمة , يعنى اضافة نحو 6 ملايين شقة سكنية ( بمتوسط ثلاثة افراد لكل شقة ) هذا العدد الكبير من الشقق سيكون له بالحتمية هامش ربح , وهو بالطبع من حق صاحب المشروع - وهو فى هذه الحالة - الحكومة المصرية , حيث تتوفر الفرصة لمعالجة عجز الموازنة الدائم الذى تعانى منه مصر منذ السبعينات , عن طريق اضافة موارد جديدة الى مدخلات الدخل القومى , الا وهو عائد ربحية المدينة كمشروع سكنى احتكارى تقوم به الحكومة وتنفرد به , وان مدة العمل عشر سنوات - وهذا هام لتحديده - حتى لا ييأس اصحاب العقارات واصحاب اراضى البناء فى عموم مصر , ويستشعرون ان الدولة احتالت عليهم , لان الدولة لن تحتال على احد , وانه وبعد انقضاء مدة العشر سنوات ستعود الامور مرة ثانية الى طبيعتها , حيث يجد الناس فرصتهم فى التنمية والاستثمار العقارى كما هو الحال حاليا .

5 - توحيد الشعب المصرى .

يتشابه المشروع مع مشروع بناء الاهرام وحفر قناة السويس والسد العالى , من حيث انه فرصة لتجميع المصريين من جميع المحافظات ليتلاقوا فى مكان واحد , وهذا هام للغاية فى توحيد المصريين , حيث تظهر ثقافات موازية لهذه المرحلة سوف تتميز بميل الشعب الى توحيد اللهجة وانتشار اكبر للرموز الفنية والثقافية التى سيجتمع المصريون عليها , وهذه الرموز مؤهلة لان تنال مكانة دولية , مثل ظاهرة احمد زويل ونجيب محفوظ .
 ان مسألة توحيد الشعب المصرى تتخذ مع مشروع المدينة ثلاثة مستويات .
اولا , ان عمال البناء والمستوطنين الاوائل لهذ المدينة سوف يتجمعون من كل انحاء مصر , ذلك ان مشروعا قوميا كبيرا بهذا الطموح يحتاج الى استنفار كل الجهود ومن كل مكان فى سبيل تحقيقه , حيث من المفضل انشاء شركة مقاولات واحدة تتخذ من جميع المحافظات مقرا لها - وقد تكون شركة المقاولين العرب مؤهلة للعب هذا الدور لانها موجودة فعلا فى جميع محافظات مصر , والجديد المرغوب تحقيقه ان تفتح الشركة ابوابها لعمال البناء والبنية الاساسية , ويتم توظيفهم فى الشركة من محافظاتهم ثم يتم نقلهم بعد ذلك الى موقع المدينة , حيث يلتقى فى المدينة كل شباب مصر العاملين فى هذه القطاعات .
ثانيا , ان نظام حجز الشقق السكنية , تقوم به المحافظات بنفس طريقة عملها الحالى فى توقيع العقود وتسليم الشقق , حيث تقوم كل محافظة بتوقيع العقود مع راغبى السكن فى المدينة , وعندما يحين موعد تسليم الشقة لصاحبها , فانه يحصل من محافظته على وثيقة الاستلام ويتوجه بها الى المدينة لاستلام شقته السكنية , ولا يتطلب منه ان ينقل اثاث منزلى الى المدينة لمراعاة المسافات المكانية الشاسعة بين اسوان - على سبيل المثال - وبين موقع المدينة , ولذلك فانه لا ينقل اثاث منزلى , لانه سيجد كل ما يحتاج اليه فى المدينة باسعار - مثل او اقل - من اسعارها فى محافظته , كما ان الشقة نفسها ستحتوى لحظة الاستلام على سرير بمرتبة ومفروشات يستطيع صاحب الشقة استخدامه للنوم فور استلامه الشقة ليستريح من السفر الطويل .
ثالثا , ان المدينة لا تخصص امكنة محددة لكل محافظة , ولكن نظام التسكين يعتمد على اولوية الحجز مهما كانت المحافظة , وهذا معناه ان يجد الناس انفسهم جيرانا لمصريين من جميع المحافظات ومن الريف والحضر والعاصمة .(بقية الموضوع تاتى قريبا )